بات مستشفى الشفاء الذي يُعد أكبر منشأة للرعاية الصحية في قطاع غزة، رمزاً للكارثة الإنسانية التي تشهدها غزة حالياً. فالمستشفى الذي يعاني أصلاً من نقص الموارد والاكتظاظ، يؤوي الآن آلاف الأشخاص الذين لجأوا إليه هرباً من الغارات الجوية الإسرائيلية التي أمطرت أحياءهم بعد الهجمات المروعة وغير المبررة التي شنتها «حماس» على المدنيين الإسرائيليين في 7 أكتوبر.
والواقع أن مستشفى الشفاء كان يعاني دائماً من ضغط هائل. فحينما زرتُه في 2018، التقيت بمرضى وعاملين صحيين وقمت بجولةٍ في وحدة غسيل الكلى وجناح العناية المركزة الخاص بحديثي الولادة الذي كان مليئاً بالمواليد الجدد في الحاضنات. مواليد كانوا متعلّقين بالحياة بفضل مولدات الديزل التي كانت تمدّ المستشفى بالطاقة حينما تنقطع الكهرباء، مثلما كان يحدث ساعات عدة كل يوم. وكان أعضاء الطاقم والمرضى وعائلاتهم يواجهون خيارات صعبة كل يوم. 
هذه الخيارات باتت الآن مستحيلةً على ما يبدو في ظل تداعيات 7 أكتوبر -- ليس في مستشفى الشفاء فقط، ولكن أيضاً في المستشفيات والعيادات الأخرى في شمال غزة أيضاً. 
فمع انقطاع الكهرباء ونفاد الوقود في غزة، ستتوقف مولدات الكهرباء في المستشفيات عن العمل في غضون أيام، كما ستتوقف الحاضنات وأجهزة غسيل الكلى وغيرها من المعدات الطبية المنقِذة للحياة. وربما سيموت العديد من المرضى، بما في ذلك الأطفال الرضع الذين بدأت حياتهم للتو. ذلك أن محاولة نقلهم عملية محفوفة بالمخاطر أيضاً، وندرة المياه تمثّل مصدر قلق كبيراً للمرضى الذين يعانون، خاصة الأطفال حديثي الولادة.
إن الأمر الذي أصدرته إسرائيل والقاضي بإفراغ 23 مستشفى تقدّم العلاج لأكثر من ألفي مريض في غزة، يضع العاملين في مجال الصحة أمام اختيار مروع: إما إجبار من هم في رعايتهم على القيام برحلة ستكون الأخيرة للكثيرين منهم أو البقاء وعلاج مرضاهم تحت تهديد القصف الوشيك. 
والحال أنه ينبغي ألا يضطر أبداً العاملون في مجال الصحة لاتخاذ مثل هذه الخيارات، كما لا ينبغي أبداً استهدافهم. إذ ينص القانون الإنساني الدولي بوضوح على أن كل اللاعبين المسلحين ملزَمون بحماية المرافق الصحية بشكل استباقي من الهجمات المتعمدة أو الجانبية. غير أنه في هذا الصراع تتعرض المرافق الصحية ومرافق الرعاية الصحية للقصف بشكل متكرر.
إنني أدينُ الهجمات التي تستهدف المرافق الصحية في كل من غزة وإسرائيل، والتي تؤدي إلى مقتل وإصابة العاملين في مجال الصحة من كلا الجانبين. وقد بيّن مقتلُ زملاء من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في غزة بشكل جيد المخاطر التي يواجهها العاملون في المجال الإنساني، بما في ذلك أولئك الذين يقدّمون الإغاثة الصحية. 
بيد أنه ما زال هناك وقت وفرصة لمنع الأسوأ. وفي هذا الصدد، تدعو منظمة الصحة العالمية إلى الإفراج الفوري والآمن عن الرهائن الذين اختطفتهم «حماس» من إسرائيل وأخذتهم إلى غزة. ووفقاً للجيش الإسرائيلي، فإن نحو 199 رهينة أُخذوا من إسرائيل في ذلك اليوم -- أطفال وبالغون ومسنّون -- ما زالوا رهائن في غزة، والعديد منهم في حاجة للعلاج. كما نأملُ أن تتوقف الهجمات على المستشفيات الإسرائيلية أيضاً، فقد تعرض «مركز برزيلاي الطبي» في عسقلان، والذي كان يوفّر العلاج للإسرائيليين والفلسطينيين على مدى سنوات، لهجمات صاروخية أطلقتها «حماس»، مما ألحق أضراراً بأحد المراكز الطبية المرجعية القليلة المتاحة لسكان غزة. 
إننا ما زلنا نناشد كل الأطراف التقيّد بالتزاماتها بموجب القانون الدولي من أجل حماية المدنيين والمنشآت الصحية. كما نناشد إسرائيل إعادة إمدادات الكهرباء والمياه ودعم إنشاء ممر إنساني في غزة. 
الأسبوع الماضي، التقيتُ في القاهرة بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي وافق بسخاء على تسهيل إيصال الإمدادات الطبية إلى غزة عبر معبر رفح الحدودي بمساعدة جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني. 
ويوم السبت، قامت منظمة الصحة العالمية بتسليم ما يعادل حمولة طائرة من الإمدادات إلى مصر من مركزنا اللوجستي في دبي، إمدادات نعمل حالياً على نقلها إلى غزة في أسرع وقت ممكن. 
إننا ندعو إلى الوصول إلى المساعدات الإنسانية بشكل مستمر ومحمي ودون عوائق، الأمر الذي سيساعد على انتقال المدنيين إلى مناطق آمنة في غزة، وإعادة تزويد المرافق الصحية بالأدوية والإمدادات الأخرى، ووصول الوقود إلى المستشفيات للإبقاء على المولِّدات وعلى المعدّات المنقِذة للحياة التي تدعمها مشتغلةً، ووصول المياه النظيفة والمواد الغذائية إلى الضعفاء والمنهكين. 
وحتى أكون واضحاً، فإن منظمة الصحة العالمية، باعتبارها وكالة تابعة للأمم المتحدة، محايدةٌ سياسياً وملتزمةٌ بدعم صحة ورفاهية كل الإسرائيليين والفلسطينيين. ولهذا الغرض، دشّنت الوكالة وجوداً رسمياً لها في إسرائيل في 2019، لينضاف إلى مكتبنا الحالي في الأراضي المحتلة. وخلال الزيارتين اللتين قمتُ بهما إلى المنطقة في 2018 والعام الماضي، التقيتُ بوزيري الصحة في كل من إسرائيل والأراضي المحتلة من أجل مناقشة كيف يمكن لمنظمة الصحة العالمية دعم الحكومتين بشكل أفضل من أجل تعزيز وتوفير وحماية الرعاية الصحية لشعبيهما. وقد شمل ذلك زيارةً إلى «مركز شيبا الطبي» بالقرب من تل أبيب أبيب، حيث سعدتُ برؤية متخصصين إسرائيليين في الصحة يعملون على تطوير مبادرات صحية رقمية بالشراكة مع المجتمعات والمناطق الفلسطينية. 
غير أنه منذ السابع من أكتوبر، اتُّخذت العديد من الخيارات المروعة -- الهجمات البغيضة التي شنتها «حماس» وجماعات مسلحة أخرى على المدنيين في إسرائيل، احتجاز الرهائن، الهجمات على المناطق المأهولة بالسكان في غزة.
إن ما نحتاجه الآن هو نوع آخر من عملية اتخاذ القرار، نوع يضمن استمرار اشتغال المستشفيات، وتأمين الإمدادات، وحماية ودعم العاملين الصحيين والمدنيين في إسرائيل وغزة. 
لقد قال نيلسون مانديلا ذات مرة: «أسألُ الله أن تعكس اختياراتُكم آمالَكم، وليس مخاوفكم». وفي هذه الأوقات الصعبة، أناشدُ كل من يملك القدرة على اتخاذ قرارات تؤثّر على صحة الكثير من الناس ورفاهيتهم اختيار طريق الأمل، مثلما دعا مانديلا.
ولا شك أنه مازال هناك وقت.

تيدروس أدهانوم غيبريسوس
مدير عام منظمة الصحة العالمية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»